الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
الشرط الثالث أن يحلف على ترك الوطء في الفرج ولو قال: والله لا وطئتك في الدبر لم يكن موليا لأنه لم يترك الوطء الواجب عليه, ولا تتضرر المرأة بتركه وإنما هو وطء محرم وقد أكد منع نفسه منه بيمينه وإن قال: والله لا وطئتك دون الفرج لم يكن موليا لأنه لم يحلف على الوطء الذي يطالب به في الفيئة, ولا ضرر على المرأة في تركه وإن قال: والله لا جامعتك إلا جماع سوء سئل عما أراد فإن قال أردت الجماع في الدبر فهو مول لأنه حلف على ترك الوطء في الفرج وكذلك إن قال أردت أن لا أطأها إلا دون الفرج وإن قال: أردت جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا لأنه يمكنه الوطء الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وإن قال: أردت وطئا لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول لأنه لا يمكنه الوطء الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وإن لم تكن له نية فليس بمول لأنه محتمل, فلا يتعين ما يكون به موليا وإن قال: والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن موليا بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطء إنما حلف على ترك صفته المكروهة. الشرط الرابع أن يكون المحلوف عليها امرأة لقول الله تعالى: فإن آلى من الرجعية صح إيلاؤه وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر ابن حامد, أن فيه رواية أخرى أنه لا يصح إيلاؤه لأن الطلاق يقطع مدة الإيلاء إذا طرأ فلأن يمنع صحته ابتداء أولى ولنا, أنها زوجة يلحقها طلاقه فصح إيلاؤه منها كغير المطلقة وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى, وإن كانت في العدة ذكره ابن حامد وهو قول أبي حنيفة ويجيء على قول الخرقي أن لا يحتسب عليه بالمدة إلا من حين راجعها لأن ظاهر كلامه أن الرجعية محرمة وهذا مذهب الشافعي لأنها معتدة منه فأشبهت البائن, ولأن الطلاق إذا طرأ قطع المدة ثم لا يحتسب عليه بشيء من المدة قبل رجعتها فأولى أن لا يستأنف المدة في العدة ووجه الأول, أن من صح إيلاؤه احتسب عليه بالمدة من حين إيلائه كما لو لم تكن مطلقة, ولأنها مباحة فاحتسب عليه بالمدة فيها كما لو لم يطلقها وفارق البائن, فإنها ليست زوجة ولا يصح الإيلاء منها بحال فهي كسائر الأجنبيات. ويصح الإيلاء من كل زوجة, مسلمة كانت أو ذمية حرة كانت أو أمة لعموم قوله سبحانه: ويصح الإيلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطء وأما الصبي والمجنون, فلا يصح إيلاؤهما لأن القلم مرفوع عنهما ولأنه قول تجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر وأما العاجز عن الوطء, فإن كان لعارض مرجو زواله كالمرض والحبس صح إيلاؤه لأنه يقدر على الوطء فصح منه الامتناع منه, وإن كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح إيلاؤه لأنها يمين على ترك مستحيل فلم تنعقد, كما لو حلف أن لا يقلب الحجارة ذهبا ولأن الإيلاء اليمين المانعة من الوطء وهذا لا يمنعه يمينه, فإنه متعذر منه ولا تضر المرأة يمينه قال أبو الخطاب: ويحتمل أن يصح الإيلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس وللشافعي في ذلك قولان والأول أولى لما ذكرنا فأما الخصي الذي سلت بيضتاه أو رضت, فيمكن منه الوطء وينزل ماء رقيقا فيصح إيلاؤه وكذلك المجبوب الذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به. ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي, وأبو ثور وإن أسلم لم ينقطع حكم إيلائه وقال مالك: إن أسلم سقط حكم يمينه وقال أبو يوسف, ومحمد: إن حلف بالله لم يكن موليا لأنه لا يحنث إذا جامع لكونه غير مكلف, وإن كانت يمينه بطلاق أو عتاق فهو مول لأنه يصح عتقه وطلاقه ولنا قول الله تعالى: ولا يشترط في الإيلاء الغضب ولا قصد الإضرار روي ذلك عن ابن مسعود وبه قال الثوري, والشافعي وأهل العراق وابن المنذر وروي عن علي رضي الله عنه: ليس في إصلاح إيلاء وعن ابن عباس قال: إنما الإيلاء في الغضب ونحو ذلك عن الحسن, والنخعي وقتادة وقال مالك والأوزاعي, وأبو عبيد: من حلف لا يطأ زوجته حتى تفطم ولده لا يكون إيلاء إذا أراد الإصلاح لولده ولنا عموم الآية, ولأنه مانع نفسه عن جماعها بيمينه فكان موليا كحال الغضب, يحققه أن حكم الإيلاء يثبت لحق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد الإضرار أو لم يقصد كاستيفاء ديونها, وإتلاف مالها ولأن الطلاق والظهار وسائر الأيمان سواء في الغضب والرضى فكذلك الإيلاء, ولأن حكم اليمين في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضى فكذلك في الإيلاء وأما إذا حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولده فإن أراد وقت الفطام, وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فهو مول وإن أراد فعل الفطام, لم يكن موليا لأنه ممكن قبل الأربعة الأشهر وليس بمحرم ولا فيه تفويت حق لها, فلم يكن موليا كما لو حلف لا يطأها حتى تدخل الدار. في الألفاظ التي يكون بها موليا وهي ثلاثة أقسام: أحدها - ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا, وهي ثلاثة ألفاظ قوله: والله لا آتيك ولا أدخل ولا أغيب أو أولج ذكري في فرجك ولا افتضضتك للبكر خاصة, فهذه صريحة ولا يدين فيها لأنها لا تحتمل غير الإيلاء القسم الثاني صريح في الحكم, ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة ألفاظ: لا وطئتك ولا جامعتك, ولا أصبتك ولا باشرتك ولا مسستك, ولا قربتك ولا أتيتك ولا باضعتك, ولا باعلتك ولا اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لأنها تستعمل في العرف في الوطء وقد ورد القرآن ببعضها فقال الله سبحانه: فصل: وإذا قال لإحدى زوجتيه: والله لا وطئتك ثم قال للأخرى: أشركتك معها لم يصر موليا من الثانية لأن اليمين بالله لا يصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة, والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين وقال القاضي: يكون موليا منهما وإن قال: إن وطئتك فأنت طالق ثم قال للأخرى: أشركتك معها ونوى, فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا لأن الطلاق يصح بالكناية فإن قلنا: إن ذلك إيلاء في الأولى صار إيلاء في الثانية لأنها صارت في معناها وإلا فليس بإيلاء في واحدة منهما وكذلك لو آلى رجل من زوجته, فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانة لم يكن موليا وقال أصحاب الرأي: هو مول ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبها بها.
فصل: ويصح الإيلاء بكل لغة من العجمية وغيرها, ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لأن اليمين تنعقد بغير العربية وتجب بها الكفارة والمولى هو الحالف بالله على ترك وطء زوجته, الممتنع من ذلك بيمينه فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا, وإن نوى موجبها عند أهلها وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها لأنه لا يصح منه قصد الإيلاء بلفظ لا يدري معناه فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لأن الأصل عدم معرفته بها فأما إن آلى العربي بالعربية ثم قال: جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية, لم يقبل في الحكم لأنه خلاف الظاهر.
فصل: ومدة الإيلاء في حق الأحرار والعبيد والمسلمين وأهل الذمة سواء ولا فرق بين الحرة والأمة والمسلمة والذمية, والصغيرة والكبيرة في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وابن المنذر وعن أحمد, رواية أخرى أن مدة إيلاء العبيد شهران وهو اختيار أبي بكر وقول عطاء والزهري, ومالك وإسحاق لأنهم على النصف في الطلاق وعدد المنكوحات, فكذلك في مدة الإيلاء وقال الحسن والشعبي: إيلاؤه من الأمة شهران ومن الحرة أربعة وقال الشعبي: إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة وهذا قول أبي حنيفة لأن ذلك تتعلق به البينونة عنده, فاختلف بالرق والحرية كالطلاق ولأنها مدة يثبت ابتداؤها بقول الزوج فوجب أن يختلف برق المرأة وحريتها, كمدة العدة ولنا عموم الآية ولأنها مدة ضربت للوطء, فاستوى فيها الرق والحرية كمدة العنة ولا نسلم أن البينونة تتعلق بها, ثم يبطل ذلك بمدة العنة ويخالف مدة العدة لأن العدة مبنية على الكمال بدليل أن الاستبراء يحصل بقرء واحد, وأما مدة الإيلاء فإن الاستمتاع بالحرة أكثر وكان ينبغي أن تتقدم مطالبتها مطالبة الأمة والحق على الحر في الاستمتاع - أكثر منه على العبد, فلا تجوز الزيادة في مطالبة العبد عليه.
مسألة: قال: [فإذا مضت أربعة أشهر ورافعته أمر بالفيئة والفيئة الجماع) وجملة ذلك أن المولى يتربص أربعة أشهر, كما أمر الله تعالى ولا يطالب فيهن فإذا مضت أربعة أشهر, ورافعته امرأته إلى الحاكم وقفه وأمره بالفيئة, فإن أبى أمره بالطلاق ولا تطلق زوجته بنفس مضى المدة قال أحمد في الإيلاء: يوقف عن الأكابر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمر شيء يدل على ذلك, وعن عثمان وعلى وجعل يثبت حديث على وبه قال ابن عمر وعائشة وروي ذلك عن أبي الدرداء وقال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يوقفون في الإيلاء وقال سهيل بن أبي صالح: سألت اثني عشر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكلهم يقول: ليس عليه شيء, حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء, وإلا طلق وبهذا قال سعيد بن المسيب وعروة ومجاهد, وطاوس ومالك والشافعي, وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور, وابن المنذر وقال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة, وجابر بن زيد وعطاء والحسن, ومسروق وقبيصة والنخعي, والأوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي: إذا مضت أربعة أشهر, فهي تطليقة بائنة وروي ذلك عن عثمان وعلي وزيد, وابن عمر وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول, والزهري تطليقة رجعية ويحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ:
|